معظمنا سمع ب(حمورابي) الملك الذي حكم بابل قبل أربعة آلاف عام واشتهر بوضع أول قوانين في التاريخ.. وهي مجموعة قوانين جزائية لم تندثر- في جوهرها - لسببين رئيسيين : الأول بساطتها وسهولة فهمها (وهذا أمر مهم إذا أردنا من كافة الناس التقيد بها) ..
والثاني عدالتها ومنطقيتها ( إذا رغبنا بإبقائها بعيدة عن مجال التشكيك والإلغاء) .. فليس هناك مثلا أكثر سهولة ومنطقية من قانونه الشهير : العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم .. أما قانونه الثاني فيختص بأحكام الإعدام التي يتم تطبيقها على هتك العرض ، واختطاف الأطفال ، وقطع الطريق ، وسرقة المنازل ، ومضاجعة المحارم ، والهروب من المعارك ، واستغلال الوظيفة لمصلحة شخصية (... ولك أن تتخيل تطبيق الأخير في دوائرنا الحكومية)!! .. والعجيب هنا أن ملوكاً وحكاماً ظهروا بعد حمورابي (من مختلف الثقافات والبلدان) لم يوفقوا في وضع قوانين أكثر منطقية وعدالة من هذه القوانين .. بل يمكن القول إن كثيرا منها كان من الحمق والسذاجة لدرجة استحالة تطبيقها نهائيا ؛ فهناك مثلا قانون الملك هنري الرابع الذي وضعه بنفسه وينص على «منع مواطني انجلترا من تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب أو حتى التفكير في ذلك لأن عمل كهذا محتكر لجلالته وخاضع لأفكاره الخاصة» .. وهذا القانون الغريب لايقل سذاجة عن القانون الذكوري الذي أصدره البرلمان الانجليزي عام 1700 (ومايزال ساري المفعول حتى اليوم) وينص على « ان كل امرأة تحاول أن تغري بالزواج رجلا من رعايا الملك باستعمال العطور أو مساحيق التجميل أو أدوات الزينة أوالأسنان المستعارة أو الأحذية العالية أو الأرداف البارزة فسوف تقع تحت طائلة قانون السحر والشعوذة ويعد زواجها باطلا» .. وغني عن القول أن ما من امرأة تقيدت بهذا القانون !!! أما الحكومة الفرنسية فأصدرت عام 1820 قانونا يسمح بتدمير أي مبنى يعد مسرحا لأي جريمة بشعة باعتباره «مشاركا في الجريمة» .. وبعكس القانونين السابقين تم تطبيق هذا القانون - لمرة واحدة على الأقل - حين أمرت المحكمة العليا بتدمير أوبرا باريس باعتباره «شريكا في اغتيال الدوق دو بيري» الذي قتله أحد المجرمين فور خروجه من المبنى ! أما روسيا فاشتهرت دائما بقوانين تجمع بين الحماقة والفظاظة ومحاولة التقرب من أوربا . فبطرس الأكبر مثلا كان يكره اللحى فأصدر قانونا يجبر كل الملتحين على دفع رسوما للدولة تتناسب مع طول اللحية (وهو مايذكرنا بقانون كمال أتاتورك في منع اللحى في مؤسسات الدولة) .. أيضا في عام 1929 قرر الحزب الشيوعي السوفياتي أنه «من الآن فصاعدا» سيتألف الأسبوع من خمسة أيام فقط - ثم عاد في 1932 وأصدر قرارا يحدد أيام الأسبوع بستة أيام فقط - .. إلا أنه في عام 1940 أصدر «قانونا نهائيا» يعود بأيام الأسبوع لسابق عهدها ! وفي عام 1931 أصدر صرب يوغسلافيا قانونا يمجد أبطال الحرب العالمية الأولى (التي تسببوا بإشعالها ) .. وفي نفس العام أصدروا طابع بريد يمجد المجرم « غافريلو برنسيب » الذي أشعل الحرب باغتياله وريث العرش النمساوي في سراييفو !! .. بقي أن أشير الى وجود قانون واحد (ضمن قوانين حمورابي) لم يرق لي شخصيا - ولا ل«أم حسام» كما سيتضح لاحقا - ... !! فتحت شريعة العين بالعين والسن بالسن وردت فقرة خاصة بالأطباء تقول : «إذا مات المريض بسبب خطأ الطبيب ، أو فقد نظره بسبب علاج وصفه ؛ يُقتل الطبيب أو تُفقأ عيناه الاثنتان » !! وغني عن القول أن تطبيق قانون كهذا سيضمن انقراض الأطباء خلال أسبوعين أو يحولهم لمجموعة عُمي بعد خطأين (... وحينها ؛ من سيدخل كلية الطب) !!؟؟
المصدر- جريدة الرياض السعودية